المهدي المنتظر عليه السلام ودعاة الاسلام
الاستاذ كاظم محمد النقيب- كربلاء
من أجل تحفيز الذاكرة الصحفية, ومما كان لها من دور في ترسيخ الثقافة المهدوية, فإن (الانتظار) وفاءً منها لهذا الجهد الرائع, تستذكر أحد المفكرين الاسلاميين ضمن هذا الباب, لتحيي به كاتباً وباحثاً ومفكراً وهو الاستاذ كاظم محمد النقيب من كربلاء المقدسة, وفيما يلي نورد مقالته القيمة التي جاءت في مجلة التضامن الاسلامي التي تصدر في الناصرية العددان ٥_٦ السنة الثالثة محرم وصفر ١٣٨٦ هـ_١٩٦٦م.
كتب يقول تحت عنوان:
المهدي المنتظر ودعاة الاسلام:
إن الإمام الغائب عليه السلام , قد وردت فيه الاحاديث المتواترة عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم تدل دلالة واضحة على ظهوره مما لم يبق عند مسلم مؤمن بالاسلام مجال للشك أو الريب فيه. فمن هذه الاحاديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم :(إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي, قيل يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب,قيل: فمن
ولدك؟ قال: المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما.
والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الارض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب).
وفي حديث آخر: (ذلك الذي يغيب حتى لا يثبت على القول بامامته إلامن امتحن الله قلبه للايمان) إلى غير ذلك من الاحاديث الواردة في هذا الشأن, وهي كثيرة ومتواترة من الطرق رواها العامة والخاصة، فهذه وغيرها أوجبت على المسلم ان يعتقد بظهور الإمام الثاني عشر وهو محمد بن الحسن الملقب بصاحب الزمان وولي الامر عليه السلام كما إن هناك احاديث كثيرة أيضاً تحث المسلمين على انتظار فرج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانتظار المهدي وان لمنتظر آل محمد كذا وكذا من الاجر والثواب عند الله سبحانه وهذا أيضاً لا يجوز الشك فيه أو إنكاره بأي حال من الاحوال.
ولكن الذي يجب التعرض له وإلفات الانظار إليه هو إن الانتظار للفرج والايمان بظهور الغائب عليه السلام لا يسقط عن المسلم الواجبات الاسلامية الاخرى المترتبة عليه والمكلف بإدائها, فلا يجوز للمسلم ان يقصر في أداء الواجبات ويفرط فيها بحجة انه ينتظر ظهور الإمام الغائب عليه السلام فاقامة الاحكام الاسلامية وتطبيقها والدعوة اليها, والاهتمام بامور المسلمين وإصلاح أوضاعهم الفاسدة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل المتواصل من أجل اقامة حكم الله في الارض الخ... من الامور التي لا يجوز التأخر عنها واهمالها وتركها بحجة إن صاحب الزمان عليه السلام هو الذي يأتي ويصلح الاوضاع الفاسدة, إذ أن الواجب الشرعي الملقى على عاتق كل مسلم لا يسقط ابداً بمثل هذه الاعذار. بل اللازم ان يسعى المسلم ويعمل من أجل تطبيق جميع أحكام الله في أرضه وبضمنها انتظار فرج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وان أي إهمال في ذلك يؤاخذ عليه الإنسان المسلم ويحاسبه الله عليه.
إن إمامنا المنتظر عليه السلام اختلف فيه الناس, فمنهم من أنكره ولم يعترف به ولا بظهوره خلافاً لما اكد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من آمن به ايماناً أقعدهم عن العمل من أجل تطبيق الاحكام الاسلامية متذرعين بذرائع واهية مثل قولهم: (إن العمل من أجل تطبيق أحكام الاسلام يؤخر ظهور الإمام المنتظر ! ! لأنه عليه السلام لا يظهر حتى تملأ الارض ظلماً وجوراً فيملأها قسطاً وعدلا) لذا نراهم يركنون إلى الانكماش على أنفسهم كأنهم لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) فهم ينتظرون ولم يحركوا ساكنا أو يسكنوا متحركا.
وفريق ثالث وهم الدعاة إلى الاسلام, آمنوا بالإمام الغائب عليه السلام وينتظرون بفارغ الصبر ظهوره ويتطلعون بشوق ولهفة إلى دولته, ولكنهم لم يتقاعسوا عن أداء ما أوجب الله سبحانه عليهم من العمل على تطبيق أحكام الشرع الاسلامي في كافة مجالات الحياة.
ولا شك في ان الذين انكروا ظهور الإمام المهدي عليه السلام هم بعيدون كل البعد عن مفاهيم الاسلام, وليت شعري ما أدري لماذا انكروا ذلك مع وجود كثرة من الاحاديث الشريفة الصحيحة الدالة على ظهوره والحاثة على انتظاره.
كما لا شك في أن الذين آمنوا بالإمام المهدي إيماناً أقعدهم عن العمل من أجل تطبيق الاحكام الاسلامية ونشرها بين الناس هم أيضاً بعيدون كل البعد عن المفاهيم الاسلامية, متخذين من فكرة الانتظار ذريعة ووسيلة لتبرير نكوصهم وتخاذلهم عن ركب الدعوة الاسلامية فهم بقعودهم عن العمل من أجل تطبيق الاحكام الاسلامية تركوا كثيراً من الواجبات المفروضة عليهم, قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا...).
وأي خزي أشد على الإنسان من أن ينظر إلى المبادئ الهدامة والافكار الالحادية والنظم الكافرة الدخيلة على اختلاف أنواعها وصورها تتفشى في مجتمعه, ولم يقف أمامها يدعو للاسلام وينشره ليفهم هؤلاء الذين يعملون على نشر هذه المبادئ حقيقة الدين الاسلامي الذي كفروا به, وزاغوا عنه, ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية, ويكشف لهم زيف المبادئ المستوردة التي آمنوا بها, وأي خزى على الإنسان المسلم أعظم من أن يرى أحكام الكفر تسود بلاد المسلمين, وأحكام الله التي أنزلها على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لخير البشر كافة يضرب بها عرض الحائط. فما هذا التقاعس عن العمل من أجل تطبيق أحكام الله في أرضه, وما هذا التثاقل عن السعي من أجل سيادة الاحكام الشرعية؟؟ وهل إن الإمام الحجة عليه السلام إذا ظهر سوف يبارك هذا التخاذل والتثاقل عن نصرة الاسلام واغاثته؟ وهل أن الإمام إذا ظهر سوف يختار من هؤلاء المتقاعسين أنصاره وأعوانه؟ أم انه عليه السلام سوف يحاسبهم حساباً عسيراً لأنهم سكتوا وتثاقلوا وقعدوا والله سبحانه يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَْرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآْخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
اليس هذا تهديد ووعيد من الله لكل من يتثاقل عن نصرة الدين ويتقاعس عن العمل من أجل تطبيق الاسلام؟
كما لا شك أن الذين آمنوا بالإمام المنتظر عليه السلام وينتظرون ظهوره ويعملون من الآن على تطبيق أحكام الاسلام هم الذين يسيرون وفق التعاليم الاسلامية، وهم الذين سيختار الإمام عليه السلام منهم أنصاره وقواده وأعوانه, لأنهم هم الذين يهيئون الاجواء ويمهدون السبل لظهوره عليه السلام وذلك بالقيام بمهام الدعوة الاسلامية وتوضيحها للناس ليكونوا على استعداد تام لقبول الحكم الاسلامي.