مشاركات القرآء
المصلح المنتظر في سورتي الإسراء والكهف
أم زينب الحسيني/ مؤسسة شهيد المحراب ـ الكاظمية
لقد ورد في كتاب مفاتيح الجنان وفي أعمال ليلة أو يوم الجمعة أن من قرأ سورة الإسراء كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم عليه السلام، ومن المعلوم من خلال روايات أهل البيت عليهم السلام أن يوم الجمعة هو اليوم الذي يظهر فيه عليه السلام ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد امتلائها ظلماً وجوراً، وإذا رجعنا الى سورة الإسراء لنرى ما هو الربط بينها وبين قيام القائم عليه السلام نجد أنها تتحدث عن بني إسرائيل وإفسادهم في الأرض، ثم تبين سوء عاقبتهم وإهلاكهم على أيدي عباد له تعالى أولي بأس شديد، وروايات الفريقين تحدثنا أن القضاء عليهم يتم على يد المهدي عليه السلام وأعوانه، حيث أنه لن تبقى شجرة ولا صخرة إلا وقالت إن ورائي يهودي إذا كان مختبئاً خلفها ليقتله الإمام عليه السلام، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في ليلةٍ ما متعباً منهكاً من شدّة ما رأى من أذى اليهود والمشركين ومتكئاً إلى الكعبة الشريفة، فأسرى به تعالى إلى المسجد الأقصى ليريه عاقبتهم وكيفية قضاء المسلمين عليهم ليطمئن قلبه بتحقّق الوعد الإلهي بنصر المؤمنين في آخر الزمان كما جاء في آخر السورة (سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) وقد وردت هذه الآية نفسها في دعاء الندبة المختص بالإمام الحجة عليه السلام والذي تستحب قراءته في أيام الجمعة مما يدل على أن هذه السورة تتحدث عن اليوم الموعود لظهور الإمام عليه السلام وتحقق الوعد الإلهي بالقضاء على المفسدين في الأرض وهم اليهود الذين قال عنهم تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) وقال عنهم (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَساداً).
وورد أيضاً استحباب قراءة سورة الكهف كل ليلة ويوم جمعة وهي السورة التالية لسورة الإسراء مباشرةً في القرآن الكريم، وإذا تأملنا جيداً في مضمونها نجدها تتحدث عن حتمية تحقيق الوعد الإلهي بنصر المؤمنين، وذلك بذكر قصص كل واحدة منها تشبه مقطعاً من مقاطع حياة الإمام الحجة عليه السلام، فالقصة الأولى هي قصة أصحاب الكهف التي فيها تشابه بين العمر الطويل لأصحاب الكهف والإمام الحجة عليه السلام وغيبتهم مع غيبته واختفائهم في عهد حكم الظلمة وعودتهم في عهد حكم العدل وضرورة تحقق الوعد الإلهي بنصر المؤمنين مهما طال الزمان، كما جاء فيها (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) ثم تليها قصة صاحب الجنتين الذي اغترّ بملكه كما هو ديدن الطواغيت وملوك الدنيا، وتفاخر على الفقير وتصوّر بأنّ ملكه دائم لا يزول، ولكن سرعان ما أُحيط بثمره فأصبحت جنّته خاوية على عروشها، وأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها نادماً، لأنه تصور أن المُلك الحقيقي بيده لا بيد الله تعالى، فقال تعالى (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ) أي الملك والولاية الحقّة هي لله تعالى لا لغيره، وكذا هو حال ملك الملوك والطواغيت، فإن ملكهم زائل لا محالة مهما طال تجبّرهم على الناس وتسلّطهم، ويعود الملك له تعالى وحده لا شريك له.
ثم تتطرق السورة بعد ذلك إلى قصة إبليس (لع) وعدم سجوده لآدم عليه السلام وتقول: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً * ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي أنّه تعالى لم يستخلف المضلين ليكونوا أولياء أمور المسلمين وهم ذرية إبليس المستكبرون، لأنهم لا علم لهم بما يصلح أمور الناس ولم يُشهدهم تعالى خلق السماوات والأرض ولا حتى خلق أنفسهم ليكون لهم الأفضلية على الناس ليستخلفهم عليهم، ومن خلال هاتين القصتين نستشفّ حتمية مآل الأمور إلى المؤمنين ليحكموا الأرض، ثم تعرج السورة بعد ذلك على قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح الذي آتاه تعالى من العلم ما لم يؤته موسى عليه السلام النبي، فأراد موسى عليه السلام اتّباعه ومرافقته ليتعلّم من علمه حباً بالعلم وأهله، فاشترط عليه العبد الصالح عدم الابتلاء بالسؤال عن شيء، ونبّأه بأنه لن يستطيع الصبر على ما لا يفهمه، ولكن موسى عليه السلام ألحّ عليه في الطلب وقبل الشرط، ورغم علم موسى عليه السلام بأن العبد الصالح أعلم منه إلا أنه لم يُحسن الظن بما رآه من أفعاله التي هي في ظاهرها غير صحيحة، مما أثار حفيظة العبد الصالح، فقد اتّهمه اتهامات كبيرة دفعته إلى مفارقته بعد أن بيّن له حقائق تلك الأمور وأنه لم يفعل ما فعل إلا بأمره تعالى، وأنّه لم يكن له في الأمر أي اجتهاد شخصي، وبإمكاننا أن نأخذ عبرة من هذه القصة وهي ضرورة التسليم لما يفعله الأئمة عليهم السلام باعتبارهم تابعين لأمره تعالى وعدم الاعتراض عليهم وإيذائهم بسوء الظن في أفعالهم.