شرح دعاء العهد/ الحلقة الثانية
الشيخ حميد الوائلي
البحث الرجالي
بعد أنْ تم تخريج المصادر التي ورد فيها دعاء العهد وتبين أنّ هناك أكثر من نص له، وأنّ الكثير من فقراته الشريفة قد تضمنتها جملة من الأدعية، نتحدث الآن عن مقدار الاعتماد على هذا الدعاء ومدى موثوقيته، إذ لا يخفى أنّ الأدعية بل الروايات وكل الموروث الديني لم نتلقّاه بشكل مباشر من المصدر الأول للتشريع وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام، إنّما كان هناك وسائط بيننا وبينهم، لذلك نشأ بسبب هذا البعد الزماني حالة عرفت بصحّة الطريق أو السند إلى الزيارة أو الدعاء أو الرواية، وصار الحديث عن أنّ الطريق إذا كان صحيحاً وسالماً أمكن الاعتماد على المضمون، أمّا إذا عُثر على خلل في الطريق فلا يمكن الاعتماد على المضمون، وهذه سيرة عقلائية سار عليها الناس وأمضاها الشرع الحنيف، وهي إلى حد ما طريق معبّد للوصول إلى صحّة المضمون من خلال صحة الطريق، ولكن الذي نريد أنْ نقوله هنا إنّ هذه الطريقة ليست انحصارية بل توجد طرق أخرى يمكن الوصول من خلالها إلى المضمون من قبيل التواتر مثلاً، فإذا حصل تواتر بمضمون معيّن فإننا نجزم بوصوله إلينا وأنّ الطريق الذي سلكه هذا المضمون ليقع بأيدينا سالم من كل خدش، وهناك طريق ثالث يمكن الاعتماد عليه بديلاً للطريقين الآخرين وهو سلامة نفس المضمون بغض النظر عن الطريق الذي وصل إلينا من خلاله نفس المضمون.
فإذا دققنا النظر في بعض المضامين نجزم بانها لم تصدر إلا عن أناس معصومين، وهذه الحالة قريبة من سيرة عقلائية أخرى يتداولها العقلاء فيما بينهم، فالكثير من النصوص التي تنقل إلينا اليوم تنقل بمعزل عن الطرق والأسانيد، مع اننا نتلقّاها بالقبول ولا نشكّك في هل انها صدرت من أصحابها أو لم تصدر.
مقالات فلسفية وكلمات سياسية ووصايا طبية وقصص اجتماعية وموروثات فنية وأدبية، كل أهل تخصص من التخصصات يأخذون تلك المضامين إذعانا وتسليما بها ولا يناقشون في طريق وصولها، وإنّ هذه اللوحة الفنية هل وصلت بطريق صحيح أو لم تصل بطريق صحيح، وتلك المقولة السياسية أو الفكرية أو الفلسفية هل وصلت بطريق صحيح أو لم تصل بطريق صحيح.
إذن هناك مضامين هي بنفسها تدل على انها لا تصدر إلا من أهلها، وعلى سبيل المثال وفيما نحن فيه وما يرتبط بالقضايا الدينية فالمقولات التي جمعها الشريف الرضي قدس سره فيما سمّاه بكتاب (نهج البلاغة) انها مقولات نسبت إلى أمير المؤمنين عليه السلام (من خطب وحكم وموروث ديني) فانّها لم تصل إلينا بطريق كما وصلت إلينا روايات الصلاة مثلاً أو الحج أو غيرها، وإنّما كان نفس المضمون كاشفاً عن عدم التردد في قبولها والأخذ بها.
والذي نريد الحديث عنه فيما يرتبط بدعاء (العهد) للمولى عليه السلام، نقول إنّ هذا الدعاء المبارك قد روي في أشهر الكتب وأوثقها وتلقّاه العلماء بالقبول والإذعان وجرت سيرتهم على الدعاء به والالتزام بانه وثيقة وعقد وعهد يتعاهدون به مع إمامهم الغائب عليه السلام، فلا أقل من أن يكشف هذا العهد الخارجي والالتزام به عن سلامة المضمون في الجملة، فضلاً عن الطريق الذي ذكرناه من كون المضمون بنفسه كاشفاً عن صحته فلا حاجة إلى مزيد من التدقيق في إثبات صحّة الطريق.
وللتبرّك نذكر الرجال الذين وقعوا في سند هذا الدعاء المبارك وهم كل من:
الشيخ محمد بن علي الجبعي، الشيخ علي بن السكون، السيد جلال الدين ابو القاسم عبد الحميد بن فخار العلوي الحسيني الموسوي الحائري عن والده فخار بن معد بن فخار عن تاج الدين الحسن بن علي بن الحسين الدربي عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله البحراني الشيباني عن الشيخ الحسن بن علي عن الشيخ علي بن إسماعيل عن الشيخ زكريا يحيى بن كثير عن محمد بن علي القرشي عن احمد بن سعيد عن الشيخ علي بن الحكم عن الشيخ الربيع بن محمد المسلي قال قرأت على أبي عبد الله بن سليمان قال سمعت سيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول: (من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا الدعاء كان من أنصار قائمنا وإنْ مات أخرجه الله إليه من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة وهذا هو العهد (اللهمّ ربَّ النور العظيم...انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يا أرحم الراحمين)).
وسنشرع إنْ شاء الله تعالى في الحلقة القادمة بشرح هذا العهد المبارك.