مهدي الوهابية البــاريــلــيـــــة
سعد محمد حسن
دفعت النزعة الوهابية في الهند حفيداً للحسن بن علي, هو السيد أحمد بن محمد الباريلي على القيام برسالته الاصلاحية, وادعائه المهدية, وقد ولد صاحبنا هذا بمدينة (بربلي) في غرة المحرم عام ١٢١٠هـ = ٢٤ اكتوبر عام ١٧٨٦م, وتلقى دروسه الأولى بمدينة (لكنهو), ثم حداه تعطشه للعلم وشغفه به إلى التوجه إلى (دهلي) حيث درس عام ١٢٢٢هـ = ١٨٠٧م على الشاه عبد العزيز الصفوي, المتمتع إذ ذاك بنفوذ علمي واسع, وهو الابن الاكبر للصوفي الكبير الشاه ولي الله, الذي كان من اشد الناس تأسفاً على حالة الاسلام في الهند, وشوقا إلى تطهيره من ادران الوثنية الهندية, حتى ليقال انه هو الذي اوحى للسيد أحمد الباريلي, بان يقوم بدعوته بعد ان مال اليه وانس منه الاخلاص للدين, وصدق العزيمة في الجهاد.
وقد تمكن ذلك الصوفي الكبير من اقناع الشاب _كما يقول الرواة_ بانه (صاحب الزمان) و (المهدي عليه السلام) المنتظر, الذي يتم على يديه صلاح حال المسلمين في الهند, فبادر السيد احمد وادعى المهدية, وسرعان ما ذاع صيته, وامتد نفوذه, واعتنق آراءه الوهابية آلاف المسلمين, وبويع له في كل مكان على انه (المهدي) المنتظر.
وقد عمل هذا المهدي الجديد خلال الربع الاول من القرن التاسع عشر, على نشر المذهب الوهابي في بقاع مختلفة من الهند الاسلامية, كما جد في تنقية الدين الاسلامي الحنيف من ادران الوثنية الهندية, التي غشيته غشيانا ظاهرا, بصورة صارخة في عبادة الاولياء وما يتصل بها من التقاليد الاسطورية, مما يأباه الاسلام الصحيح وتنكره الوهابية _بحق_ أشد الانكار. ولم يدّخر (الباريلي) جهداً في القيام بدعاية تبشيرية دينية واسعة النطاق بين الهنود, لترغيبهم في اعتناق الديانة الاسلامية, حتى ليقول بعض المؤرخين في هذا الصدد: ان نيفا واربعين الفا من الهندوس قد اعتنقوا لاسلام تحت تأثير دعوته القوية.
وفي عام ١٢٣٢هـ = ١٨٢١م اعتزم مهدي الوهابية الهندية زيارة الاقطار الحجازية لاداء فريضة الحج, وفي طريقه اليها عرج على (كلكتا) فأقام عدة اشهر يبث فيها دعوته الاصلاحية, وقد كانت في جملتها ترمي إلى اعادة الحياة الاسلامية إلى بساطتها الأولى, ثم توجه إلى الحجاز حيث أدى فريضة الحج, وبعد عامين اي حوالي ١٨٢٣م عاد إلى الهند وهو أكثر حماسا لمبادئه, واشد غيرة وامضى عزما.
واكبر الظن انه رأى ان الوسائل السلمية لا تجدي في نشر دعوته, رغم ما احرزه من نجاح, فاخذ يعد العدة لاعلان الجهاد في (البنجاب) متذرعاً بتحرير المسلمين القاطنين في ذلك الاقليم من نير السيخ, ولما وثق السيد احمد من معاونة مسلمي (كابل) و (قندهار) قام بحملته عام ١٢٤١هـ = ١٨٢٦م, وسار في جيش لجب وجموع غفيرة من انصاره المتحمسين, واشتبك مع (السيخ) في معارك دامية, وبعد عدة اعوام كانت الحرب فيها سجالا بين الفريقين.
نشبت المعركة الفاصلة في (بالكوت) عام ١٢٤٦هـ = ١٨٣١م, وفيها دارت على المهدي الدوائر فلاقى مصرعه, وفرت فلول جيشه المتحطم لا تكاد تلوى على شيء, ومع ان مغامرة الجهاد, وما ارتبط بها من محاولات سياسية, قد انتهت _كما يقول العلامة (جولدزيهر) Goldziher_ بهذه النهاية المؤلمة, إلا ان الحركة الدينية التي ابتعثها المهدي الوهابي (أحمد الباريلي) بين الجماعات الاسلامية, ظلت بعد وفاته قوية الأثر في الاسلام الهندي.