سبل الاستعداد لظهور الإمام عليه السلام وكيفيتها
السيد علي الحكيم
ماهي السبل والطرق التي يمكن اتباعها بحيث يعتبر الانسان منتظراً ومهيأ لظهور الامام عليه السلام والالتحاق به؟
وفي هذا الخصوص لا بد أن نذكر هنا جملة من الامور:
١. الالتزام بخط المراجع العظام:
لما كان الله سبحانه وتعالى لا يمكن ان يدع الناس دون دليل يدلهم ويرشدهم الى طريق الحق والخير، فقد بعث الانبياء والمرسلين عليهم السلام، وجعل من بعدهم الاوصياء عليهم السلام هم القادة الهداة الدالين على طريقه، الآخذين بيد الناس لايصالهم اليه سبحانه وتعالى، وفي زمن غيبة إمامنا عليه السلام فإن الحجة لا يمكن أن تسقط عن الناس، ولا بد من وجود من يقيم عليهم الحجة ويبين لهم التكاليف الشرعية.
ان الامام عليه السلام جعل العلماء الحجة الواجب اتباعها والاخذ بقولها، لانهم سيكونون حجة له على الناس، ويكون هو حجة الله كما ورد ذلك في التوقيع الشريف الصادر عنه عليه السلام: (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا، فانهم حجتي عليكم، وانا حجة الله).
وفي رواية اخرى عن الامام الصادق عليه السلام في مسألة الرجوع الى رواة الاحاديث والتحاكم عندهم : (... فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله).
وهنا لا بد من الالتفات الى ضرورة التقيد بالموازين الشرعية المقررة في الرجوع الى العلماء، لا أن تكون العاطفة والاعجاب والحب والبغض وهوى النفس الميزان الذي نتخذه في انتخاب مرجع التقليد، فالمسألة ليست اختيارية بحيث يكون للانسان الحق في انتخاب من يشاء، بل لا بد من الرجوع إلى الموازين المقررة كالأعلمية والعدالة والذكورة، وغيرها من الأمور المذكورة في شروط مرجع التقليد، وإلاّ فيكون عمل الانسان حينئذ باطلا، وحاله حال اليهود الذين كانوا يقبلون من الأنبياء ما يوافق آراءهم وأهواءهم، ومع طرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما يخالف أهواءهم يكذبونه ويقتلونه أحياناً، كما حكى لنا القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى : (وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَ آتَيْنا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَريقاً تَقْتُلُونَ).
فالانسان إذا لم يكن قادراً على السلوك والانسجام مع مراجع الدين، فانه سيكون اكثر في عدم الانسجام مع الإمام عليه السلام الذي سوف يطرح فكراً جديداً ويلغي اعرافاً باطلة كنا نعيش عليها سنين طويلة، كيف يمكن لهذا الانسان ان يتقبل من الامام عليه السلام عملية التغيير الكبرى التي تتضح فيه معالم الدين، ويزول فيها كل ما هو باطل في الدين؟
٢. البناء الروحي والعقائدي للانسان:
إن عملية انتظار الفرج والاستعداد لذلك اليوم المبارك، تفرض على الانسان بناء نفسه بناء روحيا وتقوية روحية وعقائدية كبيرة؛ لأن الامام عليه السلام يحتاج الى المناصرين الأقوياء في عقيدتهم وسلوكهم، الذين يحملون إرادات صلبة لا يمكن ان تتم إلا عبر البناء الروحي المستمد من تعاليم الدين الحنيف.
فالروايات الشريفة تصف هذه الثلة من الناس بأوصاف تبين اهميتهم وعظمتهم وتمجد بهم، كما في الرواية: (إن اهل زمان غيبته القائلين بامامته والمنتظرين لظهوره، أفضل من اهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، اولئك المخلصون حقاً ... والدعاة الى الله سراً وجهراً).
وروى الشيخ في الغيبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم. قالوا: يا رسول الله، نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين وانزل فينا القرآن، فقال: إنكم لو تحملون لما حملوا، لم تصبروا صبرهم).
إن الاستعداد الحقيقي يعني شعور الانسان بالمسؤولية المضاعفة في زمن غيبة الامام عليه السلام في بناء المجتمع الصالح، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبناء النفس وتربيتها وتهذيبها وبناء الحالة العقائدية، كل ذلك يجعل الانسان أقدر على استيعاب التغييرات الهائلة التي سيحدثها الامام عليه السلام حين ظهوره، كما ورد في كثير من الروايات حيث سيخرج من الدين الكثير من الشوائب الدخيلة عليه، وسيقوم بتغييرات اجتماعية وفكرية هائلة لا يستطيع أي انسان تفهمها ما لم يكن منسجماً مع الله سبحانه وتعالى انسجاما كاملا قويا في دينه، صلبا في عقيدته لا تهزه الهزائز، ولا تؤثر فيه الفتن، فان الناس كما تحدث الروايات الشريفة سيفتنون حين ظهروه كما فتنوا في زمن غيبته.
فالانسان الضعيف روحياً وعقائدياً لا يستطيع قبول تصرفات الامام ويبدأ بالتشكيك بامامته، كما ان البناء الروحي والعقائدي يجعل الانسان قوياً في مواجهة الصعاب والاشكالات والسخرية التي تواجهه زمن غيبته عليه السلام، امام الانسان الضعيف فسرعان ما يدب اليأس الى نفسه، والشك في وجوده عليه السلام وتبدأ الشبهات تفعل فعلها في قلبه.
٣. عدم التعلق بالدنيا وتكثير الروابط:
من المسائل التي ينبغي الالتفات لها والعمل على وفقها _لكي يكون الانسان مستعداً ومتهيئاً لظهور الإمام عليه السلام_ هو العمل على عدم التعلق بالدنيا وزخارفها وتقليل التعلق والارتباط بالامور المادية، لأن هذه الامور التي قد تكون سبباً للانحراف عن الإمام عليه السلام. فهو مقبل على أعظم تغيير عرفته البشرية من يومها الاول، وهذا يستدعي تفرغاً كاملاً من المؤمنين لهذه المهمة العظيمة، فكثرة ارتباط الإنسان وتعلقه بالمال والاهل والولد وزينة الحياة المرفهة والعيش الرغيد يعد من المعوقات للانطلاق معه عليه السلام في حركته، وهذه حقيقة عاشها السابقون ونبه اليها القران الكريم بقوله سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَليلٌ).
فكلما ازدادت علائق الانسان بالدنيا، كلما كانت التضحية بها أصعب وأشد، وقد يحرم الانسان من التوفيق بالالتحاق بركب الامام عليه السلام، لذلك نلاحظ الامام الصادق عليه السلام ينبه الى هذه الحقيقة كما ورد في رواية ابي بصير عنه عليه السلام انه قال: (ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه الا الغليظ، ولا طعامه الا الجشب وما هو الا السيف والموت تحت ظل السيف).
بل أشد من ذلك، لربما كانت هذه الأمور سبباً للوقوف في وجه الإمام عليه السلام أو تكذيبه (والعياذ بالله_ فما هو موقفنا لو امرنا ان نخرج من أموالنا لانها ليست لنا بحق؟ وما هو موقفنا لو طلب منا البراءة من بعض أحبائنا وأعزائنا لانهم ليسوا على الحق؟ وما هو موقفنا لو طلب منا ممارسة ما نستشعر معه بالثقل في تنفيذ أوامره؟ وبالتالي فالتعلق بالدنيا ربما يكو ن سبباً للفتنة والخروج عن طاعته والتي هي الكفر بعينه.
لذا لا بد للانسان من أن يقلل ما استطاع من التعلق بأمور الدنيا والارتباط بها، استعداداً وتهيؤاً للارتباط بخليفة الله عليه السلام وحجته على خلقه.