التفعيلة تصدح بالانتظار/ الحلقة الأولى
محمد الخاقاني
لم يقتصر تصريح الشعراء بما يكنونه عن شمس الهداية المهدوية بالشعر العمودي (التقليدي) بل ابدعوا كذلك بالشعر الحر لتصدح (التفعيلة) مزهوة بالانتظار
انتظار الفرج
للشاعر إبراهيم محمد جواد (*)
يا أيها الصبح انتظرتكْ
مهما تَغِبْ يا صبحُ عن يومي
فحسبك لن يطولَ
كذا عهدتُكْ
إني لأعلمُ
سوف تطلع في غدٍ
أولا .. ففي بعد غدِ
لكن ستطلُعُ سافراً
إني وُعِدْتُ ولا أشكُّ بموعدي
ولذا فإني أيها الصبحُ
انتظرتُك
يا أيها الصبحُ تنفّس في جيني
فالدُلجة العمياء كادتْ
أنْ تطالَ ضِيا عيوني
هذا السوادُ المدلَهِمُّ أمضّني
أدمى الفؤادَ
أثار في قلبي جوىً
أورى شجوني
فسهرتُ
أرّقني وأقلق مهجتي هذا العَماءُ
فلم تطِق غمضا جفوني
ولذا طويلاً أيها الصبح الجميلُ
قد انتظرتُكْ
كلّّي يقين أنْ ستطلع في غدٍ
وسنا طلوعِكَ مستقرٌّ
في يقيني
***
القيدُا أدمى معصمي
الغلُّ أثقل كاحلي
القهرُ ألهب جمرة فتسعّرتْ
في داخلي
السوطُ أخرسني وأقفل لي فماً
لما ألمّ بكاهلي
لكنّني يا أيها الصبحُ
انتظرتُكْ
***
إني انتظرتُكَ أيها الفجر الموشّى
إني لأعلم سوف تطلُعُ
سوف تبنى لي ممشىً
ولسوق أسري حيثُ تسري
آمناً من بعد خوفْ
ولسوف أمضي حيث تمضي
لست أخشى أيَّ حيف
ولِذا فإني أيها الصبح
انتظرتُكْ
***
يا أيها الفجرُ انتظرتُكَ عن يقينْ
ما شدّنى التيارُ ... مثل البعضِ ..
نحو الطين ... لا
ما حدّتُ عنك الى يسار أو يمين
ما نابني ريبٌ بأنّكَ
سوف تطلُعُ
لم تساورني شكوكٌ ..
أو ظنون
لكنه الشوقُ بري قلبي لنورِكَ
والحنينْ
ولذا فإنّي
أيها الفجر انتظرتُكْ
ولقد علمتُ ..
لسوف تطلعُ في غدٍ
أولاً ..
ففي بعد غدٍ
لكن ستطلُعُُ
قد وُعِدْتُ ..
ولا أشكُّ بموعدي
ولذا انتظرتُكْ
***
تجلّيات الانتظار في القصيدة
تضمنت سطور القصيدة كلاً الانتظار, وذلك بتكرار يفصح عن عميق الإيمان بقضية الإمام المهدي عليه السلام،.
فعلى خطى المؤمنين الواثقين يصرّح الشاعر، خصوصاً بعد أنْ عنون قصيدته بـ(انتظار الفرج)، امتثالاً لسنّة صاحب الرحمة المحمدية، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج) فأي انتظار هذا إلا انتظار صاحب العصر، وأي فرج ذلك غير فرجه عليه السلام والناس اجمعين بظهوره الشريف.
إنّه ينتظرُ أنْ يطلع إمامه بظهوره الأبلج (يا أيّها الصبحُ انتظرتُكْ).
فمهما كانت الظروف, ومهما استطال الزمن, فإنّ هناك يوماً لابد آت (فحسبُك لن يطول) ولو كان ذلك آخر الأيام (سوف تطلع في غدٍ) وأنّ صبحهُ سيسفر (لكن ستطلعُ سافراً).
لم يكتفِ الشاعر ببيان إيمانه بالانتظار فقط بل بيّن أنه يشعر بأنّ ظلام الزمن بغياب إمامه قد أدمى فؤادهُ, وأثار في قلبه جوى (أدمى الفؤاد) و (أثار في قلبي جوى).
لقد أرقه ظلام الغياب, فلم يستقر على جنب, ولم يغمض له جفن, كيف وهو يشعر تفاعلاً منه بحاجته والكون كلّه الى ذلك الظهور, (أرقني وأقلق مهجتي هذا العماء), (فلم تطق غمضاً جفوني) وكل ذلك مع كونه على يقين من ظهور إمامه وقيامه (كلي يقين) وأن ستطلع في غدٍ) و (وسنا طلوعك مستقر) و (في يقيني).
إنّه شعور رقيق وإحساس مرهف لدى الشاعر بأنه مقيّد بظلم حكام الجور (القيد أدمى معصمي)، مثقل كاحله بجورهم (الغل أثقل كاحلي).
وقد أخرسه سوط جبروتهم ولم يستطع التفوّه ولو بمفردة حقّ (السوط أخرسني وأقفل لي فماً).
ويبين الشاعر أنّه على يقين أنّ الوضع سيؤول الى غير مآل, وسيتغير بالظهور, الحال الى أحسن حال (ولسوف أسري حيث تسري) و(آمنا من بعد خوف) و (لست أخشى أيَّ حيف).
ويظهر من أسطر القصيدة أنّ إيمان الشاعر صلدٌ, وانتظاره ثابت, وهو لم يحد عنه رغم عواصف الكفر, وتياراته العاتية, وتجاذباته المختلفة, إنّه انتظار لم ينزلق صاحبه في وحل ادّعات المدّعين والمستشرقين (ما شدّني التيار .. مثل البعض ..) و (مثل الطين ... لا) و ( ما حدت عنك الى يسار أو يمين), فإنّ الثابت على ذلك من الناس ثابت.
إنه مؤمن حقاً بمن ينتظره, وقد ركز ذلك الإيمان في قلبه, وإنّه متشوّق اليه (لكنه الشوق برى قلبي لنورك) و (الحنين).
وإنه متيقن من ظهور إمامه عليه السلام, وإنه إنْ لم يكن في غدٍ, فسيكون في الغد الآخر, (ولسوف تطلع في غدٍٍ) أو (أولاً..) (ففي بعد غدِ), وأنّ غداً لناظره قريب.
الهوامش:
(*) إبراهيم محمد جواد - كاتب وشاعر, ولد بالفوعة من محافظة إدلب, في سوريا, عام ١٩٣٧م .
لهُ نشاطات أدبية كثيرة منها: إلقاء المحاضرات في مختلف النوادي والمنتديات.
ولهُ قصائد عديدة منشورة في المجلات والصحف, وقد عمل محرراً في مجلات: النبأ, الكلمة, والبصائر.